السلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته
بسم الله الرحمان الرحيم
أعظم الخلق غزورا وأعظم الخلق غزورا من اغتر بالدنيا وعاجلها فأثرها على الآخرة ورضي بها من الآخرة حتى يقول بعض هؤلاء الدنيا نقد والآخر نسيئة والنقد أنفع من النسيئة ويقول بعضهم درة منقودة ولادرة موعودة ويقول آخر منهم لذات الدنيا متيقنة ولذات الآخرة مشكوك فيها ولا أدع اليقين للشك وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله والبهائم العجم أعقل من هؤلاء فان البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تقدم عليه ولو ضربت وهؤلاء يقدم أحدهم على ما فيه عطبه وهو ينظر اليه وهو بين مصدق ومكذب فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله
ورسوله ولقائه والجزاء فهو من أعظم الناس حسرة لأنه أقدم على علم وإن لم يؤمن بالله ورسوله فا بعد له وقول هذا القائل النقد خير من النسيئة فجوابه انه اذا تساوي النقد والنسيئة فالنقد خير وان تفاوتا وكانت النسيئة أكبر وأفضل فهي خير فكيف والدنيا كلها من أولها الى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة كما في مسند أحمد والترمذي من حديث المستورد بن شداد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدنيا في الآخرة الا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع فايثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل واذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها الى الآخرة فما مقدار عمر الانسان بالنسبة الى الآخرة فأيما أولى بالعاقل إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة وحرمان الخير الدائم في الآخرة أم ترك شيء حقير صغير منقطع عن قرب ليأخذ مالا قيمة له ولا حظر له ولانهاية لعدده ولاغاية لأمده وأما قول الآخر لا أترك متيقنا لمشكوك له إما أن تكون على شك من وعد الله ووعيده وصدق رسله أو تكون علىاليقين من ذلك فان كنت على اليقين فما تركت الا ذرة عاجلة منقطعة فانية عن قرب لأنه متيقن لأشك فيه ولا انقطاع له وان كنت على شك فتأمل آيات الرب تعالى الدالة على وجوده وقدرته ومشيئته ووحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا به عنه وتجرد وقمم لله ناظرا أو مناظرا حتي يتبين لك أن ما جاءت به الرسل عن الله فهو الحق الذي لاشك فيه وان خالق هذا العالم هو رب السموات والأرض يتعالى ويتقدس ويتنزه عن خلاف ما اخبرت به رسله عنه ومن نسبه الى غير ذلك فقد شتمه وكذبه وأنكر ربوبيته وملكه اذا من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليسة أن يكون الملك الحق عاجزا أو جاهلا لا يعلم شيئا ولا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهي ولا يثيب ولا يعاقب ولا يعز من يشاء ولا يذل من يشاء ولا يرسل رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها ولا يعتني باحوال رعيته بل يتركهم سدي ويخليهم هملا ولهذا يقدح في ملك آحاد ملوك البشر ولايليق به فكيف يجوز نسبه الملك الحق المبين اليه واذا تأمل الانسان حاله من مبدأ كونه نطفة الى حين كماله واستوائه تبين له ان من عني به هذه العناية ونقله الى هذه الأحوال وصرفه في هذه الأطوار لا يليق به أن يهمله ويتركه سدى لا يأمر ولا ينهاه ولا يعرفه بحقوقه عليه ولا يثيبه ولا يعاقبه ولو تأمل العبد حق التأمل لكان كل ما يبصره وما لا يبصره التسليم له على التوحيد والنبوة والمعاد وأن القرآن كلامه وقد ذكرنا وجه الاستدلال بذلك في كتاب إيمان القرآن عند قوله فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون إنه لقول
رسول كريم وذكرنا طرفا من ذلك عند قوله وفي أنفسكم أفلا تبصرون وأن الانسان دليل نفسه على وجود خالقه وتوحيده وصدق رسله وإثبات صفات كماله فقد بان بان المضيع مغرور على التقديرين تقدير تصديقه ويقينه وتقدير تكذيبه وشكه فان قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذى لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل وهل في الطباع البشرية ان يعلم العبد انه مطلوب غدا الى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة أو يكرمه أتم كرامة ويبيت ساهيا غافلا لا يتذكر موقفه بين يدي الملك ولا يستعد له ولا يأخذ له أهبة قيل هذا لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر هذا الخلق واجتماع هذين الامرين من أعجب الاشياء وهذا التخلف له عدة أسباب أحدها ضعف العلم ونقصان اليقين ومن ظن أن العلم لا يتفاوت فقوله من أفسد الاقوال وأبطلها وقد سأل ابراهيم الخليل ربه أن يريه أحياء الموتي عيانا بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ليزداد طمأنينة ويصير المعلوم غيبا شهادة وقد روى أحمد في مسنده عن النبي a انه قال ليس الخبر كالمعاين فاذا اجتمع الى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب كثيرا من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده وانضم الى ذلك تقاضي الطبع وغلبات الهوي واستيلاء الشهوة وتسويل النفس وغرور
الشيطان واستبطاء الوعد وطول الامل ورقدة الغفلة وحب العاجلة ورخص التأويل والف العوائد فهناك لا يمسك الايمان في القلب الا الذي يمسك السموات والارض أن تزولا وبهذا السبب يتفاوت الناس في الايمان والاعمال حتى ينتهي الى أدني مثقال ذرة في القلب وجماع هذه الاسباب يرجع الى ضعف البصيرة والصبر ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين وجعلهم أئمة في الدين فقال تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما
صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
المصدر /الجواب الكافي
لمن سأل عن الدواء الشافي
ابن قيم الجوزية
بسم الله الرحمان الرحيم
أعظم الخلق غزورا وأعظم الخلق غزورا من اغتر بالدنيا وعاجلها فأثرها على الآخرة ورضي بها من الآخرة حتى يقول بعض هؤلاء الدنيا نقد والآخر نسيئة والنقد أنفع من النسيئة ويقول بعضهم درة منقودة ولادرة موعودة ويقول آخر منهم لذات الدنيا متيقنة ولذات الآخرة مشكوك فيها ولا أدع اليقين للشك وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله والبهائم العجم أعقل من هؤلاء فان البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تقدم عليه ولو ضربت وهؤلاء يقدم أحدهم على ما فيه عطبه وهو ينظر اليه وهو بين مصدق ومكذب فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله
ورسوله ولقائه والجزاء فهو من أعظم الناس حسرة لأنه أقدم على علم وإن لم يؤمن بالله ورسوله فا بعد له وقول هذا القائل النقد خير من النسيئة فجوابه انه اذا تساوي النقد والنسيئة فالنقد خير وان تفاوتا وكانت النسيئة أكبر وأفضل فهي خير فكيف والدنيا كلها من أولها الى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة كما في مسند أحمد والترمذي من حديث المستورد بن شداد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدنيا في الآخرة الا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع فايثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل واذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها الى الآخرة فما مقدار عمر الانسان بالنسبة الى الآخرة فأيما أولى بالعاقل إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة وحرمان الخير الدائم في الآخرة أم ترك شيء حقير صغير منقطع عن قرب ليأخذ مالا قيمة له ولا حظر له ولانهاية لعدده ولاغاية لأمده وأما قول الآخر لا أترك متيقنا لمشكوك له إما أن تكون على شك من وعد الله ووعيده وصدق رسله أو تكون علىاليقين من ذلك فان كنت على اليقين فما تركت الا ذرة عاجلة منقطعة فانية عن قرب لأنه متيقن لأشك فيه ولا انقطاع له وان كنت على شك فتأمل آيات الرب تعالى الدالة على وجوده وقدرته ومشيئته ووحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا به عنه وتجرد وقمم لله ناظرا أو مناظرا حتي يتبين لك أن ما جاءت به الرسل عن الله فهو الحق الذي لاشك فيه وان خالق هذا العالم هو رب السموات والأرض يتعالى ويتقدس ويتنزه عن خلاف ما اخبرت به رسله عنه ومن نسبه الى غير ذلك فقد شتمه وكذبه وأنكر ربوبيته وملكه اذا من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليسة أن يكون الملك الحق عاجزا أو جاهلا لا يعلم شيئا ولا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهي ولا يثيب ولا يعاقب ولا يعز من يشاء ولا يذل من يشاء ولا يرسل رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها ولا يعتني باحوال رعيته بل يتركهم سدي ويخليهم هملا ولهذا يقدح في ملك آحاد ملوك البشر ولايليق به فكيف يجوز نسبه الملك الحق المبين اليه واذا تأمل الانسان حاله من مبدأ كونه نطفة الى حين كماله واستوائه تبين له ان من عني به هذه العناية ونقله الى هذه الأحوال وصرفه في هذه الأطوار لا يليق به أن يهمله ويتركه سدى لا يأمر ولا ينهاه ولا يعرفه بحقوقه عليه ولا يثيبه ولا يعاقبه ولو تأمل العبد حق التأمل لكان كل ما يبصره وما لا يبصره التسليم له على التوحيد والنبوة والمعاد وأن القرآن كلامه وقد ذكرنا وجه الاستدلال بذلك في كتاب إيمان القرآن عند قوله فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون إنه لقول
رسول كريم وذكرنا طرفا من ذلك عند قوله وفي أنفسكم أفلا تبصرون وأن الانسان دليل نفسه على وجود خالقه وتوحيده وصدق رسله وإثبات صفات كماله فقد بان بان المضيع مغرور على التقديرين تقدير تصديقه ويقينه وتقدير تكذيبه وشكه فان قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذى لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل وهل في الطباع البشرية ان يعلم العبد انه مطلوب غدا الى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة أو يكرمه أتم كرامة ويبيت ساهيا غافلا لا يتذكر موقفه بين يدي الملك ولا يستعد له ولا يأخذ له أهبة قيل هذا لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر هذا الخلق واجتماع هذين الامرين من أعجب الاشياء وهذا التخلف له عدة أسباب أحدها ضعف العلم ونقصان اليقين ومن ظن أن العلم لا يتفاوت فقوله من أفسد الاقوال وأبطلها وقد سأل ابراهيم الخليل ربه أن يريه أحياء الموتي عيانا بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ليزداد طمأنينة ويصير المعلوم غيبا شهادة وقد روى أحمد في مسنده عن النبي a انه قال ليس الخبر كالمعاين فاذا اجتمع الى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب كثيرا من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده وانضم الى ذلك تقاضي الطبع وغلبات الهوي واستيلاء الشهوة وتسويل النفس وغرور
الشيطان واستبطاء الوعد وطول الامل ورقدة الغفلة وحب العاجلة ورخص التأويل والف العوائد فهناك لا يمسك الايمان في القلب الا الذي يمسك السموات والارض أن تزولا وبهذا السبب يتفاوت الناس في الايمان والاعمال حتى ينتهي الى أدني مثقال ذرة في القلب وجماع هذه الاسباب يرجع الى ضعف البصيرة والصبر ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين وجعلهم أئمة في الدين فقال تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما
صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
المصدر /الجواب الكافي
لمن سأل عن الدواء الشافي
ابن قيم الجوزية
الثلاثاء أكتوبر 22, 2013 11:13 pm من طرف علاء الدين
» اربح جوال يصلك الى بيتك شرح موقع Xpango وكيفية ربح الهدايا iphone
الخميس أكتوبر 03, 2013 4:33 pm من طرف علاء الدين
» طرق تفعيل وتحميل كاسبارسكي 2014 kaspersky 2014 final►+سيريال اصلي 175يوم موضوع متـجــدد
السبت سبتمبر 21, 2013 7:08 pm من طرف علاء الدين
» الربح من إختصار الروابط..ثورة جديدة في عالم الربح
الخميس سبتمبر 19, 2013 4:10 pm من طرف علاء الدين
» اقوى شركة ربحية بالعالم تعرف على موقع sevendollarptc للربح
الإثنين سبتمبر 02, 2013 3:02 pm من طرف علاء الدين
» دون عناء يوميا اكسب 1الى100 دولا مع ipuservices
الإثنين سبتمبر 02, 2013 2:02 am من طرف علاء الدين
» اقوى شركة ربحية بالعالم
الأحد سبتمبر 01, 2013 4:15 pm من طرف علاء الدين
» شرح طريقة كسب المال www.AWSurveys.com بربح لايقل عن500 $ دولار شهرياً
الأحد سبتمبر 01, 2013 1:49 pm من طرف علاء الدين
» لمستخدمي فيسبوك احذروا هذا الفيروس
الأربعاء مايو 08, 2013 6:50 pm من طرف علاء الدين